الحب بعد السبعين
كل شىء يؤكد انه يوم جميل و لطيف ...
فالشمس مشرقة و الطيور تغنى و الاشجار تتمايل
بعد جو صعب مملوء بالرياح و الأمطار ...
فى هذا الشهر من كل عام يبدأ الجو فى التحسن
و يبدأ الشتاء ينسحب ليترك الفرصة للربيع
كما بدأت انا الانسحاب من الحياة ..
فأنا رجل عجوز فى السبعين من عمرى ,
بعد وفاة زوجتى من عشرين عاما تركتنى وحيدا
أصارع الحياة فكنت لابنى و ابنتى الأب و الام
و ها هما الاخران تركانى وحيدا
لقد هاجر ابنى الأكبر وراء النقود فى بلاد الملاين و تزوج امرأة اجنبية .
ابنتى الصغرى انشغلت بأسرتها الجديدة و نسيت أسرتها القديمة .
فالأبناء منشغلون او يتشاغلون بهمومهم التى لا تنتهى ,
و الوحدة صعبة و البيت بدا كسجن اختيارى ,
حوائط عالية و باب مغلق و ستائر مسدلة على نوافذ موصدة ,
حتى الهاتف لا يرن و كانه تحالف مع الوحدة ضدى لا يرن و لا حتى خطأ .
أنيسى الوحيد هو التلفزيون و الجرائد التى يحضرها لى البواب بجانب طلباتى ..
جلست أشاهد التلفزيون , فاعجبنى برنامج زيارة فى بيت المسنين
هذا هو الحل ...فلماذا لا أذهب و اعيش هناك ...
و فاتحت ابنتى فى الأمر
فقالت : كيف هذايا ابى ؟ ماذا سيقول الناس .
قلت : انا لا يهمنى الناس ..الوحدة قاتلة
فقررت ان انضم لسجن اكبر و لكن يكفينى انه ليس انفراديا
و منذ اول يوم ,
بل من أول نظرة ,
بل قل من اول احساس سيطر على ,
و لم يفرقنى حتى الان
" كان اللقاء الاول " , فى الحديقة حيث الازهار
استوقفتنى نظره الحزن التى فى عينيها ,
نظرة اعتدت ان اراها من النزلاء فى الدار ,
و لكن كانت نظراتها مختلفة نوعا ما
تلاقت العيون , و تحدثت معها كثيرا فى الايام التالية
و عرفت منها ان زوجها قد توفى, و أولاده انشغلوا بحياتهم
و كادت الوحدة ان تقتلها فقررت الحياة فى الدار ...
ما هذا الذى أشعر به ؟؟؟؟
العمر يمر و السنوات جرت كجرى الوحوش
و سنوات العمر تتساقط منى كاوراق الشجر تتساقط فى الخريف
أعلم انى اعيش فى الوقت الضائع فى حياتى ,
و انه ان اجلا أو عاجلا سيوارى جسدى التراب .
و لكننى احب , نعم احب ...
و لن تمنعنى سنين السبعين من الحب
فالحب ينبض مادام قلبى ينبض فانا اعيش,
و ما دمت حيا فوجب على الحب
نعم احب و من منا لا يحب
الطفل يحب امه و المراهق يحب و الرجل
حتى الحيوانات تحب و تخلص
فلماذا تستكثرون على كهل مثلى الحب ؟
احب امرأة فى الستين من عمرها
و لكنها كالزهرة تذبل نعم و لكن رائحتها لا تزال فواحة .
شعرها القصير الابيض ناعم كالفل الابيض
امرأة عرفتها فى الدار تلك الدار التى طالما كرهتها .
حتى جاءت هى و أنارت الظلمات فى قلبى .
قلبى الذى أنطفأ نورة منذ سنوات بعيدة منذ وفاة زوجتى .
اتفقنا فى اشياء كثيرة كالوحدة و الالفراغ و هجر الابناء .
و اشتركنا فى الحب
و اليوم هو يوم زفافى
اليوم الثانى عشر من ذى الحجة الموافق التاسع و العشرون من مارس
............
............
أطرقت الفتاة بعد ان قرات اخر صفحة من مذكرات ابيها .
و قالت بصوت منخفض : الله يرحمك يا بابا
[ثم التفتت الى اخيها الذى ابتلت عيناة بالدموع
و قالت له
أبوك كان سيتزوج فى اخر يوم فى حياتة
.......